أجلس على الأريكة، أتنقل بين القنوات بحثًا عن شيء يشبهني، شيء يعبر عني، عن واقعي، عن أحلامي ومخاوفي. فلا أجد سوى وجوه مكررة، أعمال متشابهة، إعلانات تلاحقني بلا هوادة، ومحتوى لا يعنيني ولا يخاطبني.
أنا المشاهد، الحلقة الأضعف في معادلة الإعلام والإعلانات والإنتاج الدرامي. أدفع فاتورة الاشتراكات، أشاهد الفواصل الإعلانية التي لا تنتهي، أتحمل التكرار والاجترار، ومع ذلك، لا أجد من يمثلني. لا أجد قصصي، لا أجد صوتي.
أصبح الإعلام لعبة بين أباطرة الإنتاج والإعلان، والمشاهد ليس سوى رقم في نسب المشاهدة، سلعة تُباع للمعلنين. أما الدراما، فقد تحولت إلى سباق محموم نحو الربح، لا نحو الإبداع. كل شيء بات محسوبًا بالورقة والقلم: كم إعلان سنضع؟ كم موسم سنمدّد؟ كيف نكرر نفس القصة بصيغة جديدة؟
وحين لم أجد نفسي في هذا المشهد المكرر، قررت الهروب.
هربتُ إلى وسائل التواصل الاجتماعي، حيث صار لي صوت. حيث أستطيع أن أختار ما أشاهد، وأتفاعل مع ما يهمني، وأخلق عالمي الخاص بعيدًا عن تحكم أباطرة الإعلام والإعلان. هناك، وجدت صناع محتوى يشبهونني، يتحدثون لغتي، يناقشون قضاياً الحقيقية، دون فواصل إعلانية تُقاطع أفكاري.
واليوم، حين أدرت ظهري للشاشة الكبيرة، بدأوا يشعرون بالخطر. تراجع نفوذهم، فقدوا السيطرة، وهوت أرباحهم. لأنهم لم يدركوا أن المشاهد لم يعد الحلقة الأضعف، بل هو صاحب القرار.
أنا المشاهد.. ولم أعد الحلقة الأضعف بعد الآن.