في صباح لم يكن ككل الصباحات، استيقظ العالم على خبر تصدر كل الشاشات:
“إلغاء جوازات السفر… وحرية السفر والإقامة لكل البشر.”
لم يكن الأمر إشاعة أو مزحة سياسية. لقد اجتمعت حكومات العالم في مؤتمر سري استثنائي، وبعد نقاشات دامت سبعة أيام وسبع ليالٍ، خرجوا بقرار بدا مستحيلاً: “من الآن، لا حاجة لجواز السفر. الأرض لكل البشر.”
في حي شعبي قديم في القاهرة، جلس عم عبده أمام القهوة، يحتسي شايه ويمسك جريدته المتآكلة كأنها كنز. لم يصدق ما قرأ. نظر إلى “سعيد البواب”، وقال:
– “يعني ممكن أسافر إيطاليا دلوقتي من غير فيزا؟”
– “ولا حتى جواز يا عم عبده! تلبس طاقيتك وتسافر.”
وفي اللحظة نفسها، كانت “ماريا” في مكسيكو تبكي فرحاً، طالما حلمت بأن تزور أهرامات مصر دون الوقوف في طابور السفارة. وفي دمشق، كتب “ليث” على جدار مدرسته:
“أخيراً… لا حدود لأحلامنا.”
بدأت المطارات تتحول إلى مراكز استقبال لا بوابات تفتيش، الحدود البرية أصبحت حدائق مفتوحة، والقطارات العابرة للقارات صارت أكثر ازدحاماً من عربات المترو في ساعة الذروة.
لكن مع الفرح، ظهرت التحديات…
في نيويورك، استيقظت إدارة المدينة على موجة بشرية لم تشهدها من قبل.
في طوكيو، اضطرت الحكومة لتحويل الحدائق العامة إلى مساكن مؤقتة.
وفي برلين، كتب فنان شاب على حائط بقايا الجدار:
“سقطت الجدران، فهل تسقط العقول المغلقة أيضاً؟”
أما “ليلى”، الصحفية المصرية، فقد قررت أن تقوم بجولة حول العالم، توثق ما يحدث بعد هذا القرار. كانت تسافر بلا حقيبة، بلا وجهة محددة، تقول دائماً:
“أنا مواطنة الكوكب، لا أنتمي إلا للإنسان.”
في كينيا، رقصت مع قبائل الماساي.
في باريس، كتبت أول رواية عالمية بلا جنسية.
وفي الهند، جلست تتأمل نهر الغانج وقالت:
“لو كانت الأرض واحدة، فلن تكون هناك غربة.”
بعد عام واحد، اجتمع العالم من جديد.
بعض القادة أرادوا التراجع.
آخرون قالوا: “لقد بدأنا الحلم، فلا توقظونا.”
لكن صوت فتاة صغيرة من جنوب السودان، وقفت وقالت:
“أنتم الكبار اخترعتم الجوازات. فدعونا نحن الصغار نعيش دونها.”
صمت الجميع.
وبقي القرار.
الأرض بلا جواز.
والإنسان هو التأشيرة.
بعد مرور ثلاث سنوات على إلغاء جوازات السفر، بدأ الوجه الآخر للحلم في الظهور.
بلدان بأكملها أصبحت شبه خالية.
الهجرات الجماعية حولت بعض العواصم إلى مدن أشباح.
في دولة شمالية باردة، كانت الحكومة تبث الإعلانات قائلة:
“تعالوا إلينا… لدينا كهرباء مجانية وسكن دافئ!”
لكن لا أحد كان يريد البرد بعد أن ذاق دفء الشمس في الجنوب.
وفي المقابل، كانت بلاد المتوسط تختنق من عدد الوافدين.
في بيروت والإسكندرية وتونس، تضاعف عدد السكان، وظهرت أحياء جديدة بالكامل بلهجات متنوعة.
في إحدى الحدائق العامة بالقاهرة، جلس شاب كولومبي يعزف جيتاره بجانب شابة صومالية ترسم.
وفي الخلفية، كان طفل فيتنامي يلعب بالطين مع طفلة من النوبة.
لكن لم يكن كل شيء وردياً…
بدأت بعض الدول تطلب من الناس مغادرة أراضيها بسبب الضغط على الموارد.
ودول أخرى فرضت قيودًا “غير رسمية”: فحص طبي إلزامي، رسوم جديدة، أو حتى تقنين الإقامة بساعات الشمس!
عاد الجدل من جديد: – هل يجب إعادة جوازات السفر؟
– هل كانت الحدود، رغم قسوتها، ضرورة تنظيمية؟
– من المسؤول عن بلاد فقدت أبناءها، ومجتمعات لم تعد تحتمل الوافدين؟
في أحد البرامج الحوارية العالمية، سألت المذيعة ضيفها، المفكر الأفريقي “جابرييل أوماري”:
– “هل فشلت تجربة العالم بلا جواز سفر؟”
فرد قائلاً:
– “لم تفشل… لكنها نسيت أن تحلم بالتنظيم كما حلمت بالحرية. لا يمكنك أن تفتح الباب، ثم تنسى أن تنظف البيت.”
وفي تلك اللحظة، كتبت “ليلى” في دفترها، من خيمتها على أطراف الدار البيضاء:
“ربما نحتاج لجواز من نوع آخر…
جواز يُمنح لمن يعرف كيف يعيش مع الآخرين، لا فوقهم.
جواز إنساني، لا ورقي.”
ثم نظرت إلى السماء، وابتسمت قائلة:
“وما دامت الغيوم بلا حدود، فربما نحن أيضًا نستحق فرصة أخرى.”