في قاعة المؤتمرات الكبيرة، تجمع المئات من المهندسين والعلماء من حول العالم. كانت الحرارة في الخارج تتجاوز الأربعين درجة مئوية، لكن داخل القاعة المكيفة، ساد الهدوء والبرودة اللطيفة.
وقف الدكتور أحمد خالد، رئيس جمعية المهندسين، أمام الميكروفون وأشار إلى صورة كبيرة معلقة خلفه لرجل يرتدي نظارة ويبتسم بثقة:
“أيها الحضور الكرام، نجتمع اليوم لنكرم رجلاً غيّر وجه الحضارة الإنسانية دون أن يدرك الكثيرون فضله. إنه ويليس هافيلاند كارير، العبقري الذي رفض الاستسلام للمناخ.”
التفت إلى الصورة وتابع بصوت مؤثر: “في عام ١٩٠٢، كان الناس يعتبرون الحر والبرد قدراً محتوماً. لكن هذا الرجل سأل سؤالاً بسيطاً غيّر التاريخ: لماذا نستسلم للمناخ غير المحتمل؟”
في الصف الأول، جلست سيدة مسنة بشعر أبيض، كانت حفيدة كارير. مسحت دمعة من عينيها وهي تتذكر جدها الذي لم تره كثيراً، لكنها تشعر بفخر عميق بإرثه.
واصل الدكتور خالد: “قبل اختراع كارير، كانت المستشفيات في الصيف جحيماً لا يطاق. المرضى يموتون من الحر، والأطباء يعجزون عن إجراء العمليات الدقيقة بسبب التعرق. اليوم، بفضل رؤيته، تُنقذ ملايين الأرواح سنوياً في غرف عمليات مكيفة.”
قام أحد الحضور، وهو طبيب جراح، وقال: “أجريت أمس عملية قلب مفتوح استغرقت ثماني ساعات. لولا التكييف، لما استطعت إنقاذ ذلك المريض. كل نبضة من قلبه الجديد هي شاهد على عبقرية كارير.”
أشارت امرأة في منتصف العمر: “أعمل في مصنع للأدوية. بدون التحكم الدقيق في درجة الحرارة والرطوبة، لما تمكنا من إنتاج العقاقير التي تنقذ حياة الناس. كارير لم يخترع المكيف فحسب، بل مكّن صناعات بأكملها.”
في الخلف، همس مهندس شاب لزميله: “تخيل لو عاش كارير ليرى اليوم كيف تحولت فكرته البسيطة إلى شبكة عالمية من أنظمة التكييف تحمي مليارات البشر.”
وقف رجل مُقعد على كرسي متحرك وقال بصوت مرتعش: “أعيش في مدينة حارة جداً، وبسبب مرضي لا أستطيع تحمل الحر. لولا المكيف في بيتي، لما كنت على قيد الحياة اليوم لأشارككم هذا التكريم.”
عندها، اقترح أحد الحضور إقامة نصب تذكاري لكارير في كل مدينة كبيرة. آخر اقترح إطلاق منحة سنوية باسمه للمخترعين الشباب. وثالث نادى بتدريس قصته في المناهج المدرسية.
ختم الدكتور خالد الحفل قائلاً: “كارير علمنا أن العبقرية الحقيقية ليست في قبول الواقع، بل في تغييره. لم يستسلم للحر والبرد، فصنع لنا عالماً أكثر رحمة. اليوم، بينما نجلس في هذه القاعة المكيفة، نحن نعيش في عالم كارير، عالم حيث الراحة ممكنة، والشفاء ممكن، والحياة أجمل.”
وعندما غادر الحضور، كل واحد منهم يحمل في قلبه امتناناً عميقاً لهذا العبقري المنسي الذي حوّل الحلم إلى واقع، ومنح البشرية هدية الراحة في عالم قاسٍ.
في تلك الليلة، ملايين الناس ناموا في منازلهم المكيفة، لا يدركون أنهم يدينون بنومهم الهانئ لرجل عاش قبل قرن، آمن أن الإنسان يستحق مناخاً لطيفاً، فصنع له واحداً.