بقلم: الإعلامي خالد سالم
نائب الأمين العام لاتحاد الإعلاميين الأفريقي الآسيوي
في عصر التحول الرقمي المتسارع والمنافسة الإعلامية الشرسة، أصبح تطوير القنوات التلفزيونية الفضائية ضرورة حتمية لا ترفاً إعلامياً.
فالقنوات التي تقف عند حدود معينة دون تجديد وابتكار، تجد نفسها خارج دائرة المنافسة، وتفقد جمهورها تدريجياً لصالح منصات أكثر مرونة وتطوراً.
الرؤية الاستراتيجية: نقطة الانطلاقيبدأ أي مشروع تطويري ناجح برؤية استراتيجية واضحة المعالم.
فالقناة التلفزيونية التي تفتقر إلى رؤية محددة تشبه سفينة بلا بوصلة، تتخبط في بحر الإعلام دون وجهة.
يجب أن تجيب هذه الرؤية على أسئلة جوهرية: ما هي الرسالة الإعلامية التي نريد إيصالها؟ من هو جمهورنا المستهدف؟ وما هي القيمة المضافة التي نقدمها في سوق مشبع بالمحتوى؟ المحتوى: جوهر العملية التطويرية يظل المحتوى هو الملك في عالم الإعلام، مهما تطورت التقنيات وتعددت المنصات.
لذا، يجب أن يكون تطوير المحتوى على رأس أولويات أي قناة تسعى للتميز.
ويشمل ذلك عدة محاور أساسية: التنوع والتجديد: لا بد من تقديم باقة متنوعة من البرامج تلبي احتياجات شرائح مختلفة من الجمهور، مع الحرص على التجديد المستمر والابتعاد عن النمطية التي تصيب المشاهد بالملل.
الجودة الإنتاجية: في زمن الصورة عالية الوضوح والإنتاج السينمائي، لم يعد المشاهد يقبل بمحتوى رديء الإنتاج.
الاستثمار في المعدات الحديثة والكوادر المدربة أصبح ضرورة لا مفر منها.
المحلية والعالمية: التوازن بين الهوية المحلية والانفتاح على التجارب العالمية يخلق محتوى غنياً يحافظ على الأصالة دون انغلاق، ويتفاعل مع العالم دون ذوبان.
التحول الرقمي: ضرورة العصر لم تعد القنوات الفضائية تتنافس فيما بينها فحسب، بل أصبحت تواجه تحدياً أكبر من منصات البث الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي.
لذا، فإن التحول الرقمي ليس خياراً بل ضرورة للبقاء.
يتطلب ذلك: التواجد على المنصات الرقمية: إنشاء موقع إلكتروني متطور وتطبيقات للهواتف الذكية، مع توفير خدمة البث المباشر والمحتوى حسب الطلب.
التفاعل عبر وسائل التواصل الاجتماعي: بناء مجتمع رقمي حول القناة من خلال التفاعل المستمر مع الجمهور على مختلف المنصات الاجتماعية.
تحليل البيانات: استخدام أدوات تحليل البيانات لفهم سلوك المشاهدين وتفضيلاتهم، واتخاذ قرارات برمجية مبنية على معلومات دقيقة.
الاستثمار في الكوادر البشرية التقنيات والمعدات مهما بلغت تطوراً، تبقى مجرد أدوات في يد الإنسان.
لذا، فإن الاستثمار في تطوير الكوادر البشرية هو الاستثمار الحقيقي في مستقبل القناة.
يشمل ذلك:التدريب المستمر: برامج تدريبية دورية تواكب التطورات التقنية والمهنية في مجال الإعلام.
اجتذاب المواهب: البحث عن المواهب الشابة وتوفير بيئة عمل محفزة تشجع على الإبداع والابتكار.
بناء فرق عمل متكاملة: التركيز على العمل الجماعي والتكامل بين مختلف الأقسام لتحقيق رؤية موحدة.
الشراكات والتعاون الإعلامي في عالم يزداد ترابطاً يوماً بعد يوم، لم تعد العزلة الإعلامية خياراً قابلاً للاستمرار.
الشراكات الإعلامية، سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي، تفتح آفاقاً واسعة للتطوير من خلال: تبادل المحتوى: الاستفادة من تجارب القنوات الأخرى ومحتواها المميز.
الإنتاج المشترك: تقليل التكاليف ورفع الجودة من خلال مشاريع إنتاجية مشتركة.
نقل الخبرات: التعلم من التجارب الناجحة واستلهام أفضل الممارسات الإعلامية.
الابتكار والتجريب الخوف من التجريب هو عدو التطور.
القنوات الناجحة هي تلك التي تجرؤ على تجربة أشكال جديدة من البرامج وأساليب مبتكرة في السرد الإعلامي.
حتى لو فشلت بعض التجارب، فإن الدروس المستفادة منها تشكل رصيداً قيماً للمستقبل.
التمويل المستدام يتطلب التطوير موارد مالية كافية ومستدامة.
تنويع مصادر الدخل بين الإعلانات والرعايات والاشتراكات وحقوق البث يضمن استقلالية مالية تمكن القناة من تنفيذ خططها التطويرية دون قيود.
قياس الأداء والتقييم المستمر لا يمكن تطوير ما لا يمكن قياسه.
وضع مؤشرات أداء واضحة ومراجعتها بشكل دوري يساعد على تحديد نقاط القوة وتعزيزها، وتشخيص نقاط الضعف ومعالجتها.
التقييم المستمر يحول عملية التطوير من مشروع عشوائي إلى منهج علمي منظم.
تطوير القناة التلفزيونية الفضائية ليس فقط تغيير اسمها و شعارها و الوانها المميزة و لكن هو مشروعاً له بداية ونهاية، بل هو عملية مستمرة من التحسين والابتكار.
إنه رحلة تتطلب رؤية واضحة، وإرادة قوية، واستعداداً للتغيير والتكيف مع المستجدات.
في نهاية المطاف، القنوات التي ستبقى وتزدهر هي تلك التي تضع المشاهد في قلب اهتماماتها، وتعمل بلا كلل على تقديم محتوى يلامس احتياجاته ويلبي تطلعاته، مع المحافظة على المعايير المهنية والأخلاقية العالية.
إن مستقبل الإعلام التلفزيوني الفضائي مشرق لمن يملك الشجاعة على التطوير، والحكمة في إدارة التغيير، والإيمان برسالة الإعلام النبيلة في التنوير والتثقيف والترفيه الهادف.
