تحت رعاية وزير الثقافة الدكتور أحمد فؤاد هنو، أقام المجلس الأعلى للثقافة بأمانة الدكتور أشرف العزازى ندوة لمناقشة رواية “اتَّبَعُوا مَا تَتلُو الشَّيَاطِينُ” للكاتبة الشابة آلاء أشرف، ونظمتها الإدارة المركزية للشؤون الأدبية والمسابقات بالأعلى للثقافة؛ حيث فازت هذه الرواية بالمركز الثانى فى الدورة السابعة بمسابقة المواهب الأدبية، والتى حملت اسم الراحل الدكتور جابر عصفور، وذلك فى تمام السادسة مساء أمس الثلاثاء الموافق 5 أغسطس 2025، بقاعة المؤتمرات بالمجلس الأعلى للثقافة، وأدارت النقاش الدكتورة إيمان نجم، رئيسة الإدارة المركزية للشؤون الأدبية والمسابقات، وشارك فى النقاش الدكتور عايدى جمعة؛ أستاذ النقد الأدبى بجامعة أكتوبر، وجاءت هذه الندوة فى إطار دعم المواهب الشابة من خلال تسليط الضوء على إبداعاتهم، وفتح النقاش حول موضوعات ثقافية معاصرة تتعلق بالوعى الثقافى والهوية الوطنية، كما تشجع الشباب على التعبير عن أفكارهم ومواهبهم، فضلًا عن دعمهم فى التواصل مع المهتمين بالشأن الثقافى والأدبى.
بداية تحدثت الدكتورة إيمان نجم مشيرة إلى أن رواية “اتَّبَعُوا مَا تَتلُو الشَّيَاطِينُ” للكاتبة الشابة آلاء أشرف تتميز بسرد مشوق، وإيقاع متسارع يشد القارئ منذ الصفحات الأولى، وأوضحت أنها بمجرد أن بدأت فى قراءة الرواية، وجدت نفسها منجذبة إلى أحداثها حتى أنهتها، دون أن تتمكن من التوقف، وذلك لما تحمله هذه الرواية من إثارة وتناول جرىء لقضية شائكة، وبيّنت أن الرواية تسلط الضوء على ظاهرة خطيرة متغلغلة فى المجتمع، وهى لجوء البعض إلى أعمال السحر والشعوذة، كوسيلة لتحقيق رغبات شخصية أو للانتقام من الآخرين. وأكدت أن الكاتبة تناولت هذا العالم المظلم بحرفية شديدة، كاشفة ما يحمله من شرور وخطورة بالغة لا ينجو منها حتى من يلجأ إليه، فينقلب السحر على الساحر، ليصبح الجميع أسرى للظلام والشر الذى صنعوه بأيديهم.
ثم تحدثت الكاتبة آلاء أشرف مؤكدة أن روايتها تنتمى فى جوهرها إلى الأعمال الأدبية ذات الطابع الاجتماعى، إذ تنبع من رحم الواقع وتسلط الضوء على قضايا حقيقية تعانى منها فئات مختلفة فى المجتمع. ورغم احتواء الرواية على عدة مشاهد مرعبة، ومظاهر من عالم الغرائبية والسحر الأسود؛ فقد أوضحت الكاتبة أن هذا البُعد المرعب لم يكن غاية فى حد ذاته، بل وسيلة فنية اختارتها بعناية لتخدم البنية الدرامية والفكرية للنص.
وأشارت إلى أن إدخال عناصر الرعب كان ضرورة فنية، وليس مجرد محاولة لإثارة دهشة القارئ أو اللعب على وتر التشويق، بل جاء متسقًا مع الهدف الأعمق للرواية، وهو كشف الستار عن ظاهرة اجتماعية خطيرة باتت تتغلغل فى المجتمع المعاصر، وهى ظاهرة اللجوء إلى السحر والشعوذة، تلك الظاهرة البغيضة التى تسللت إلى نفوس البعض من مختلف الطبقات الاجتماعية، إما بدافع إيذاء الآخرين وتصفية الحسابات، أو نتيجة الشعور بالظلم والرغبة فى استرداد الحقوق بطريقة تتجاوز القنوات الشرعية والأخلاقية، وأضافت أنها حاولت من خلال شخصيات الرواية واتباعها أسلوب السرد المكثف، أن تكشف الدوافع النفسية والاجتماعية وراء انجراف البعض نحو هذه العوالم المظلمة، مشيرة إلى أن الخوف، والحرمان، والإحساس بالقهر، هى عوامل تمثل الوقود الذى يغذى هذا المسار المنحرف، وفى مختتم حديثها أكدت الروائية آلاء أشرف أن الرواية لم تتعامل مع الرعب كعنصر للترفيه، بل اتخذته أداة لتشريح الواقع، والتحذير من الانزلاق إلى مساحات لا عقلانية يتخلى فيها الإنسان عن وعيه ومسؤوليته، لصالح أوهام لا تُجدى إلا فى تعميق الخسارة والانهيار الروحى.
ثم تحدث الدكتور عايدى جمعة مُشيدًا بقدرة الكاتبة آلاء أشرف على جذب القارئ منذ اللحظة الأولى، وذلك من خلال بدايتها الجريئة المليئة بالتحدى، إذ أعلنت منذ السطور الأولى أن الرواية مرعبة ومخيفة للغاية، هذا التقديم لم يكن مجرد عنصر تشويق فحسب، بل كان بمثابة تمهيد ذكى لعالم سردى قائم على التوتر والاضطراب النفسي والفكرى، وأوضح الدكتور عايدى أن الرواية تنزلق بالقارئ تدريجيًا إلى عالم “التشيؤ”؛ حيث يتحول الإنسان إلى كائن يبحث عن سعادته فى الحصول على أشياء مادية رمزية، يجعل منها مفاتيح لخلاصه أو بوابات لهروبه، وهو ما يعكس بشكل عميق أزمة القيم فى المجتمع المعاصر، ويعرى الممارسات السلبية التى باتت متجذرة فيه، ومن أبرز تجليات هذا التناقض، كما أشار، شخصية “الشيخ سمعان”؛ حيث أن لقب الشيخ فى حد ذاته يوحى في ظاهره برمز دينى وقيمة روحية، غير أن الكاتبة نسجت من حوله صورة مظلمة، إذ يتحول إلى مصدر للشر وممارس لأفعال مؤذية تتنافى تمامًا مع ما يوحى به لقبه، فى دلالة قوية على سقوط الرموز وتحريف القيم، ويستمر التناقض الدرامى وصولًا إلى مشهد التضخية بالكلب وتعذيبه؛ فنجد أن هذا الحيوان البرىء الذى لطالما ارتبط بالوفاء والإخلاص، يُقدَّم هنا كضحية يتم تعذيبها على يد أحد أبطال الرواية فى سياق طقس من طقوس السحر الأسود، وهذا الانقلاب فى المعانى يُغرق القارئ فى تساؤلات وجودية وأخلاقية عميقة، كما أشار الدكتور عايدي إلى أن الرواية لم تغفل الأبعاد الأسطورية، إذ تتغلغل فى بنيتها الرمزية قصة إيزيس وأوزوريس، التي ترمز إلى الصراع الأزلى بين الخير والشر، بين النور والظلمة، وهى ثنائية تعكس ما تمر به شخصيات الرواية من تحولات جذرية، كما فى شخصيات أحمد وقدرية، وتحولهما من بشر عاديين إلى أدوات للشر، فضلًا عن سمعان الذى يبيع روحه للشيطان في سبيل إشباع رغباته الدنيوية، وتابع الدكتور عايدى موضحًا أن الرواية فى بنيتها العميقة تطرح تساؤلًا أخلاقيًا كبيرًا وهو: “ماذا يربح الإنسان إذا امتلك العالم كله وخسر نفسه؟” فى اقتباس مباشر من تعاليم السيد المسيح، يُعبّر عن المأزق الروحى والوجودى الذى تطرحه الرواية، التى امتازت بحسب وصفه بلغة سردية سهلة ومباشرة، تمكّن أى قارئ من التفاعل معها بغض النظر عن مدى عمق خلفيته الثقافية، وهو ما يُعد أحد أبرز عوامل قوتها، كما تبلورت الفكرة المركزية للرواية حول شعار صادم وهو: “الغاية تبرر الوسيلة”، متجلية فى شخصية “الشيخ سمعان”، وصراع القيم مع الرغبات فى شخصية “البطل المأزوم”، الذى يمثل حالة المجتمع الباحث عن الخلاص بأى ثمن.
وفى مختتم حديثه أكد أن الرواية كذلك سلطت الضوء على النسق الطبقى فى المجتمع؛ حيث أظهرت الفوارق الاجتماعية كعامل ضغط وتشويه فى مصائر الشخصيات، كما قدّمت صورة مأساوية للرجل والمرأة، إذ جُسّدا معًا كبؤر للشر والبؤس والانكسار، مما يعكس سوداوية الواقع وتصدّع البناء الأخلاقى، وأشار إلى أن الرواية ليست فقط عملًا أدبيًا يحمل فى طياته حبكة مشوقة، بل هى مرآة تعكس صورة قاسية لواقع اجتماعى وثقافى مأساوى يطفح بالسلبيات، ويدعو القارئ ولو بشكل غير مباشر إلى التأمل بعمق فى العاقبة السيئة للجوء إلى الشر وفقًا لمبدأ الغاية تبرر الوسيلة.