بقلم: خالد سالم
في الطابق الأخير من برج حديث بوسط القاهرة، وقف رجل الأعمال آسر خليل يُطالع صورة عتيقة علّقها حديثًا في مكتبه. كانت الصورة لطلعت حرب، الطربوش يعلو رأسه، وعيناه تتجهان بثقة نحو الغد.
لم تكن صورة عابرة. لقد ورث آسر عن جده عشقًا دفينًا لهذا الرجل الذي أسس اقتصادًا بقلب وطني، وحلم يومًا أن تكون السينما أداة لبناء الأمة لا ترفًا استهلاكيًا.
– “البلد دي مش هتقوم غير لما تعرف تحكي حكايتها من جديد”، تمتم آسر وهو يغلق شاشة اللابتوب التي كانت تعرض تقريرًا عن تراجع جودة المحتوى السينمائي في الوطن العربي.
في تلك اللحظة، دخلت ليلى رمزي، شريكة آسر في مشروعه الجديد، خريجة نقد سينمائي، ومهتمة بتطوير المحتوى العربي. امرأة ذكية، متمردة على التقليد، تؤمن أن الصورة تحرّك الوجدان أكثر من ألف خطاب.
قالت له بابتسامة تعرف جيدًا وقعها: – لسه مصمم تبني شركة إنتاج في زمن التريند والرقص على التيك توك؟
رد آسر، وهو يُشير إلى صورة طلعت حرب: – لو كان عايش، كان عمل ده من بدري.
ضحكت ليلى:
– طيب، نبدأ بـ”الروح”، اسم حلو لأول فيلم… روح طلعت حرب.
تم تأسيس شركة “الروح”، بشراكة استراتيجية مع كيانات هندية مرموقة، لتبادل الخبرات في فنون السرد البصري والموسيقى، مع دعم من جهات ثقافية دولية. الرؤية كانت واضحة:
إنتاج سينما تحمل قضية، تسلط الضوء على المهمّش، وتُطلق طاقات الشباب الحالمين خلف الكواليس.
ليلى تولّت لجنة اختيار المواهب، وكانت تجوب المعاهد والمراكز الثقافية تبحث عن العيون اللامعة التي لم تلمسها الشهرة بعد. آسر ركّز على الشراكات والبنية التقنية، مصرًا على استخدام أحدث أدوات التصوير والمونتاج، لكن بروح شرقية.
أول إنتاج كان فيلمًا بلغة عربية فصحى ممزوجة باللهجات، بعنوان “المنسي”، عن عامل نظافة يُنقذ طفلاً من شارع مظلم، فيتحول إلى أيقونة شعبية رغم محاولات الطمس. الفيلم شارك في مهرجان برلين، وعرض في الهند وفرنسا والجزائر.
الفيلم الثاني كان مشروع ليلى الخاص: “شباك أمل”، عن معلمة من الصعيد تنشئ فرقة مسرحية للبنات وتواجه ضغوطًا من المجتمع. أُنتج باللغتين العربية والهندية، وحقق نجاحًا مدويًا في مهرجان “جوا” السينمائي.
وفي إحدى أمسيات التكريم، وقف آسر على المسرح بجوار ليلى، وقال أمام جمهور عربي وهندي وفرنسي:
– طلعت حرب ما ماتش، إحنا بس كنّا سايبين روحه معلّقة على الحيطان. دلوقتي… رجّعناها للشاشة.
ليلى نظرت إليه بعينين دامعتين وهمست:
– السينما رجعت وطن.

