بقلم خالد سالم
في أحد أحياء القاهرة العتيقة، وقف “سالم”، المرشد السياحي، وسط مجموعة من الزوار الأجانب أمام أحد المعابد الفرعونية، يشرح لهم بلغة إنجليزية متمكنة عن عظمة المصريين القدماء. كان يوضح النقوش الهيروغليفية المحفورة على الجدران، حين سمع طفلاً مصريًا صغيرًا، لا يتجاوز الخامسة، ينادي على أمه قائلًا:
— “ماما، نونو جعان… عايز مم!”
ابتسم سالم، ثم نظر إلى السياح قائلاً بمكر:
— “هل سمعتم ذلك؟ الطفل يقول نونو للطفل الصغير ومم للطعام… تمامًا كما كان يقول أجدادنا الفراعنة قبل آلاف السنين!”
بدت الدهشة على وجوه الزوار، بينما أكمل سالم شرحه بحماس:
— “في الحقيقة، المصريون لم يتوقفوا أبدًا عن التحدث بلغة أجدادهم. كل يوم يستخدمون كلمات قديمة دون أن يدركوا ذلك!”
تدخلت سيدة مصرية مسنة كانت تتابع حديثه قائلة وهي تضحك:
— “أيوه، ولسه، لما ابن بنتي يعمل حاجة غلط، أقوله كخة، ومحدش يقدر يقولي إن دي مش لغة أجدادنا!”
ضحك الجميع، بينما أكمل سالم:
— “وحتى لما بنقول طنّش لما حد يتجاهل كلامنا، أو بعبع لما نخوف العيال، إحنا في الحقيقة بنتكلم فرعوني!”
بينما كان الجميع يستوعب هذه المفاجأة اللغوية، سمعوا فجأة بائعًا في الشارع ينادي بصوت مرتفع:
— “بسارة سخنة يا باشا!”
التفت سالم إلى السياح بابتسامة ماكرة، ثم قال:
— “حتى الفول المصري الشهير اسمه فرعوني… بسارة، من الكلمة القديمة بصار!”
وقف الجميع مبهورين، بينما كان الصغير الذي قال “نونو” قبل قليل، يتذمر الآن من الحر، قائلًا:
— “ماما، الدنيا صهد!”
ضحك سالم مجددًا، ثم نظر إلى السياح قائلاً:
— “ها؟ هل اقتنعتم الآن أننا ما زلنا نتحدث لغة أجدادنا؟”
كانت إجابتهم ابتسامات واسعة وتصفيقًا حارًا، بينما كان الطفل الصغير مستمرًا في الشكوى، مرددًا:
— “ماما، أنا عايز مم… وياريت مطرة رخي!”