الطريق
في روايته الآسرة (الطريق) يدخل بنا صاحب نوبل إلى زوايا شديدة التعقيد في النفس البشرية من خلال شخصية بطل الرواية صابر سيد الرحيمي الذي يعرف بشكل واضح أن والدته بسيمة عمران هي ملكة الليل بالإسكندرية وأنها قوادة معروفة ومع ذلك يفضل أن يعيش تلك الحياة المرفهة التي وفرتها له والدته في شقته بشارع النبي دانيال دون أن يبدي اي نوع من الاعتراض أو الغضب أو الثورة على امه ..غير أنه يحرص على ألا يتورط في مهنتها كما تحرص هي تماما ..
بلا مقدمات يدخل بنا نجيب محفوظ مباشرة إلى اجواء وتفاصيل ذلك الطريق الصعب الذي سيسلكه صابر في رحلة بحثه السيزيفي عن والده الذي يبدو وكأنه سراب أو طيف باهت لا وجود حقيقيا له بعد أن تخبره والدته عقب خروجها من السجن الذي قضت به خمس سنوات بتهمة القوادة والدعارة أن والده – الذي لم يره والذي يظن أنه ميت- ربما يكون حيا وأنه كان شابا غنيا وسيما وطالبا جامعيا تزوجته في القاهرة ثم هربت منه مع رجل اغواها إلى الإسكندرية وهي حامل بصابر .. وأعطته شهادة ميلاده وصورة زفافها إلى والده التي تتبدى فيها وجاهة العريس ووجه الشبه الكبير بينه وبين صابر الذي أصبح في الخامسة والعشرين من عمره ..قالت بسيمة السر الكبير بعد أن خرجت من سجنها شاحبة هزيلة وقبل أن تموت بساعات. . وبعد مشهد دفنها الذي أبدعه محفوظ بعبقريته المعتادة يقرر صابر البحث عن والده ..لتتواصل رحلته من الإسكندرية إلى القاهرة التي تشهد ذروة الأحداث وتصاعدها بعد أن تتنازع صابر فيها علاقتان ..أولهما نظيفة برىئة مع الهام التي تعمل بجريدة ابو الهول التي ينشر بها صابر اعلانات عن والده ..والثانية آثمة مع كريمة الشابة الجميلة زوجة خليل الرجل العجوز صاحب الفندق المتواضع الذي يقيم به صابر .. وبكل وضوح تطغى علاقة صابر الآثمة مع كريمة على علاقته الطاهرة مع الهام .. وتتصاعد العلاقة الآثمة حد أن تصل إلى أن يقتل صابر زوج عشيقته ثم عشيقته وينكشف أمره ويحكم عليه بالاعدام .. وكأن صابر ينتصر لنفسه الخبيثة الأمارة بالسوء على مواطن الطيبة فيه وكأنه ينحاز لذلك النموذج الذي تمثله والدته.. ثم يصل صابر وهو ينتظر الإعدام من خلال محاميه إلى شخصية تدعى سيد سيد الرحيمي لا يستقر في بلد ويسافر من بلد إلى بلد في كل قارات العالم .. وكأنه شخصية هلامية لا وجود لها في الواقع ..
ويترك صاحب نوبل نهاية الرواية مفتوحة في انتظار الإعدام أو قبول الاستئناف والنقض ..
الطريق كتبها محفوظ عام ١٩٦٤ وهي ضمن سبع روايات كتبها نجيبنا العظيم في مرحلة الستينيات منها اللص والكلاب والسمان والخريف وثرثرة على النيل وميرامار .. وهي روايات لها طبيعتها الخاصة التي تختلف عما كتبه محفوظ في مراحل سابقة مثل القاهرة الجديدة وخان الخليلي وبداية ونهاية وزقاق المدق والثلاثية وغيرها